لم يستطع تمالك نفسه حين خرج من مبنى رئاسة البلدية عام 1999
إثر الحكم بحبسه لمدة سنة، فوجد فتى في الرابعة عشرة
يركض إليه على كرسي متحرك؛ ليقول له: "إلى أين رئيسنا؟.. لمن تتركنا؟!"،
يقول أردوغان: "فرّت الدموع من عيني، ولم يكن بوسعي غير التماسك أمام الصبي،
وطمأنته، ثم قبّلته".
لم يتخلف أردوغان يومًا عن واجب العزاء
لأي تركي يفقد عزيزا ويدعوه للجنازة،
مثلما لبى الكثير من دعوات الشباب له بالمشاركة في مباريات كرة القدم.
اقترب "طيب" من الناس.. ربما يكون هذا هو السر
في أنْ منحه الناس حبًّا جارفاً لم تعرفه تركيا منذ سنين طويلة
فيما يتعلق برجال السياسة والحكم . ما الذي جعل الرجل يحصد كل هذا الحب؟
وسط الفقراء نشأ.. وبالإيمان نجح
ما خطر ببال أحد من أهالي حي قاسم باشا الفقير بمدينة إستانبول
أن يصبح أحد أبنائه رئيسا لبلدية المدينة، فضلا عن أن يكون رئيسًا
لأكبر حزب سياسي بتركيا؛ لذا فقد سهر أهالي الحي حتى الصباح يوم انتصار أردوغان.
ولخص أحد هؤلاء البسطاء فرحتهم قائلا: "نحن نفتخر بأردوغان؛
فإننا نعتقد أن أحدًا بعد اليوم لن يجرؤ على السخرية منا أو إهمالنا…".
ولد طيب في 26 فبراير 1954 لوالد فقير يعمل في خفر السواحل
محافظة "رِزا" شمل تركيا، وما لبث الأب أن هاجر لإستانبول
في الأربعينيات من القرن الماضي؛ بحثاً عن فرص أوسع للرزق،
وبعد أن أنهى طيب تعليمه الابتدائي التحق بمدرسة الأئمة والخطباء الدينية،
ومنها إلى كلية التجارة والاقتصاد بجامعة مرمرة بإستانبول.
لم تمنعه هذه النشأة المتواضعة أن يعتز بنفسه..
فقد ذكر في مناظرة تلفزيونية مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري ما نصه:
"لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛
كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ فقد كان والدي فقيرًا".
وليس أدل على عدم تنكره لماضيه من أنه
لم يغيّر مسكنه –رغم بساطته- بعد وصوله لمنصب عمدة المدينة
الذي اعترف الجميع –حتى مناوئيه- بأن وجهها قد تغير تماما،
بفضل رفضه الصارم للفساد المستشري في الحقل السياسي التركي؛
ففي تقليد متبع مع رؤساء البلديات التركية عُرضت عليه ملايين الدولارات
كعمولة من الشركات الغربية التي اتفق معها على مشروعات للمدينة؛
فما كان منه إلا أن طلب خصم هذه العمولة من أصل المبلغ والعقد.
و"طيب" يصرح عن ذلك: "سألوني عن السبب في النجاح في تخليص البلدية من ديونها،
فقلت: لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه.. إنه الإيمان..
لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام".