لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي و أعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي و بداية الصحوة من مهد الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم . و غابت عني أيضاً أصول المنطق و أنا أعالج المنطق و لم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول و من خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً و هي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته و ليس معتمداً و لا محتاجاً لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية و لا يجعل منه سبباً أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت بأرسطو إلى القول بالسبب الأول و المحرك الأول للوجود .
و لم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
و لم أكن قد عرفت بعد من هو أرسطو و لا ما هي القوانين الأولى للمنطق و الجدل .
و احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب و آلاف الليالي من الخلوة و التأمل و الحوار مع النفس و إعادة النظر قم إعادة النظر في إعادة النظر .. ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله و الإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين .
لم يكن الأمر سهلاً .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً .
و لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة و تركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. و لقادتني الفطرة إلى الله .. و لكنني جئت في زمن تعقد فيه كل شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همساً و ارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة و غروراً و اعتداداً ..
و العقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفاً على هرم هائل من المنجزات و إذ يرى نفسه مانحاً للحضارة بما فيها من صناعة و كهرباء و صواريخ و طائرات و غواصات و إذ يرى نفسه قد اقتحم البر و البحر و الجو و الماء و ما تحت الماء .. فتصور نفسه القادر على كل شيء و زج نفسه في كل شيء و أقام نفسه حاكماً على ما يعلم و ما لا يعلم .
مصطفي محمود ...من كتاب رحلتي من الشك الي الايمان
قلت"وليد دويدار": لقد شرح شبهته ونسي أن يشرح الرد عليها بل واكتفى بكونه ابتعاد عن الفطرة السوية ما أجمله من رد